«محاكمة الحجر الأسود»… كيف كانت المواجهة؟
عقدت الأديبة فكرية أحمد محكمة فريدة من نوعها للواقع اللامعقول

«محاكمة الحجر الأسود» رواية للأديبة فكرية أحمد، مدير تحرير جريدة الوفد، تقع الرواية في في 186 صفحة من القطع المتوسط.
قصة حياة رجل أعمال كبير بدأ حياته بين أطفال الشوارع حتى أصبح مليارديرًا، ثم تخلى عنه الحظ في لحظة ما عندما طاله غضب الكبار، ففتحوا ملفاته المسكوت عنها مع نيران من الاتهامات والجرائم، قتل، سلب، نهب، رشوة، فساد، استيلاء على أراضي الدولة، تهريب الآثار والإتجار بها، والقوا به خلف القضبان، فمن يحاكم من؟
منذ طفولته وهو يعايش مكرهًا كل صنوف العذاب في الحياة، اسمه المثير لسخرية من حوله، أمه التي تخلت عنه، زوج أمه الذي مارس معه التعذيب بسبب ابنه المعتوه، أولاد الشوارع الذين حاولوا هتك عرضه، تولدت بقلبه الأخضر بقعة سوداء، اتسعت رقعتها يوماً بعد يوم.
أي رحمة تبقت بقلبه وهو يرى عجوزاً صاحب سُلطة يغتصب صبية قاصر، ويمنحه لقيمات ثمناً لصمته؟.. أي رحمة وهو يقف مجبراً على باب الرذيلة يحرسها مقابل جدران تأويه؟.. أي رحمة وهو يبيع عقله ويدخل الامتحان بدلاً من ابن البِك، مقابل جنيهات تضمن له الحياة؟
لكل شيء ثمن، هكذا فهم وقرر الانتقام من الجميع، حتى من حبه الوحيد وابنه المعاق في أميركا، خان، سرق، تاجر في كل ممنوع، وخلف القضبان وقف ليواجه جرائمه، وكانت الصدمة حين رأي وجه النائب العام يتلو التهم ضده، إنه صديق طفولته الذي تخلى عنه ذات يوم وتركه فريسة للمنحرفين.
ترى هل عاد اليوم ليقتص منه ويحاكمه عن تهمة الغدر والتخلي، أم سيصفح عنه ويلتمس له الأعذار عن كل ما كان؟ كيف كانت المواجهة؟، المحاكمة؟، محاكمة قلب الحجر الأسود الذي كان ذات يوم لؤلؤاً أبيض، من يجرؤ على محاكمته خلف القضبان، وقد سجنت الحياة بقسوتها وعبثها كل نقاءه؟ فمن نحاكم، هو أم من فعلوا به كل هذه الأفاعيل؟
وتحاور الكاتبة بطل الرواية لتواجهه بالحقيقة الصادمة التي يسير إليها فتقول: لماذا عليك الاعتياد على اللا معقول ومعاداة الفطرة السليمة قهراً، كلما اعتقدت انك افلت من جبال الحزن والهوان إلى زاوية مشرقة من الحياة؟
تعود إلى أدارجك لتتقوقع داخل خطايا الآخرين، تسقط في غياهب الكراهية الحالكة مكبلاً بالعجز، موصوماً بالصمت المتواطئ عن جرائمهم، نهشهم الوحشي لكل ما هو بريء يفقدك حتى متعة العزلة، يجبرك لتدخل أدمغة عالمهم الموبوء لتتهدد حياتك بالفشل.
لا أحد منهم يبالي بحجم خسائرك، ولن يهتم أحدهم بسقوطك أو ضياعك رغم أكذوبة انهم يساندونك، أنت لست سوى ريشة ضعيفة في جناح طاووسهم الزاهي بمتعة الغرور والألوان، يمكن اقتلاعك ببساطة وهوان في أي لحظة إذا ما استشعروا خطر خروجك عما أرادوا، أنت لا تملك رفاهية الرفض، ولا أي سلاح للحرب، وستظل هكذا عبدًا ذليلًا لعاديّتهم، أو تدفن تحت التراب دون وداع من أحد، ولن تجد من يذرف لأجلك دمعة، ليس أمامك إلا أن تستسلم وتتغاضى، فلا يكون ذنبك أنك الوحيد المختلف عنهم، الهارب من شذوذ أفعالهم، تخلى عن دهشتك، فقد اعتادوا خطاياهم كشربة الماء دون استشعار الخوف لا من بشر ولا من عذابٍ يتوعدهم، اختم أفكارك المهمشة عن العالم المثالي في هذا السطر “تكون أو لا تكون” وتقدم دون ارتعاش أو تردد لتقتنص مستقبلك.
هكذا عقدت الأديبة فكرية أحمد محكمة فريدة من نوعها للواقع اللامعقول، لمحاكمة الحجر الأسود في رواية (محاكمة الحجر الأسود)، التي تتسم كأعمالها السابقة بالجرأة وتناول الموضوعات الشائكة في المجتمع دون خوف، لتعرى وجه الحقيقة الغائبة، أو التي يتجاهلها أغلب المجتمع متعمداً ليعانق عبثية الحياة، ويواصل رحلته الموصومة بقبول الآثام كمسلمات أو ضرورة، لتحقيق أهدافه المادية والصعود عبر تلال الفساد إلى قمة النجاح.