«مذكرات محجوب عروة»… توثيق للثورات السودانية
صراعات محلية وإقليمية ودولية في ظل تعدد الأقطاب

صدر حديثًا عن دار النخبة للنشر والطباعة والتوزيع، كتاب «مذكرات محجوب عروة.. بين الثورات الزلاقة والفوضى الخلاقة»، للكاتب الصحفي السوداني محجوب عروة.
يقع الكتاب في 149 صفحة من القطع الكبير، ويضم مذكرات شخصية للكاتب حيث كان شاهدًا وفاعلًا ومشاركًا كل الأحداث التي مرت على السودان من ثلاثة ثورات، بدأت بثورة أكتوبر 1964، فانتفاضة 6 أبريل 1985، وأخيرًا ثورة ديسمبر 2018.
مذكرات محجوب عروة
يقول الكاتب في المقدمة:
إن الثورات الزلاقة والفوضى الخلاقة لا ولم ولن تُنتج غير المزيد من الصراعات المحلية، والإقليمية، والدولية، خاصة في ظل تعدد الأقطاب ونهاية القطب الواحد والقطبين وانتشار الأسلحة الفتاكة.
غير أن ما يحدث اليوم من وعي إنساني جديد تساهم فيه الصحافة الحرة المسئولة في هذا القرن الحادي والعشرون، سيُفضي حتمًا إلى نهضة جديدة في العالم، خاصة في العربي والإسلامي والإفريقي الذي لم تعد شعوبه الحرة تقبل بالقهر والعدوان والاحتلال والسلوك الإمبريإلى والتطرف العنصري البغيض، ولو استشهد مئآت الآلاف، وفي التاريخ القريب رأينا كيف قدموا مليون شهيد في الجزائر، ومئآت الآلاف في جنوب أفريقيا، وفي فيتنام وغيرهم، وغيرهم المناضلين من أجل الانعتاق والحرية، فالأيام دِول، هكذا علمنا التاريخ، وشكرًا لأبي القاسم الشابي الذي قال: إذا الشعب أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر، ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر.
لقد توصلت عقب ما حدث في جريمة 15 أبريل 2023 المأسوية التي لم تحدث من قبل في السودان، ومن منطلق التحليل الموضوعي والاستقلالية في التفكير عن أي حزب أو موقف أنها كانت القشة التي قصمت ظهر السودان، وليس الاتفاق الإطاري وقبله الوثيقة الدستورية هما السببان الوحيدان، رغم أن أحداث 15 أبريل جريمة ثابتة مكتملة التآمر، حدث فيها ما يشيب له الولدان من دمار وتقتيل واغتصاب ونزوح وسرقات، الأمر الذي دفعني لكتابة عدة مقالات عقب اندلاع الأحداث، يجدها القارئ لاحقًا، استعرضت فيه بالتفصيل ما حدث من أخطاء جميع الأحزاب، منذ الاستقلال حين اعتمدت جميعها منهج الثوارت العسكرية والسياسية العنيفة والتحكم بديلًا لمنهج التطور السياسي والدستوري السلمي، فأدخلت بذلك الأحزاب الوطن و(زلقته) في دوامة الصراعات البائسة والدورة السياسية الخبيثة، فالأحزاب هي التي أدخلت الجيش في السياسة، ولم يقم الجيش بالانقلاب من تلقاء نفسه، إلا مرتين برضاء كل الشعب، حين إنحاز إلى الثورات الشعبية الثلاثة استجابة لملاييين الثوار ورفضًا للأنظمة السلطوية، ولإعادة الديمقراطية، ولولا الجيش الباسل، لاستمرت الأنظمة السلطوية في السلطة.
لقد ظلت معظم كتاباتي خاصة إبان نظامي مايو والإنقاذ – وفي فترة الديمقراطية الثالثة عقب انتفاضة أبريل- كما سيجده القارئ خلال مذكراتي- أنني ظللت أنصح الجميع وادعوهم جميعًا إلى التزام الحكمة الغائبة، والتعقل الذاتي، وتحسين وتطوير أنظمتهم عبر منهج التطور السياسي والدستوري السلمي، وليس عبر منهج التحكم والتعسف والظلم والإقصاء المتبادل من أجل التحكم والتمكين، فوجدت منهم جميعًا الرفض، بل الظلم والتعسف، فلم يستجيبوا للنصح؛ فكان سقوط الجميع المدوي المستحق.