إبداع

معانٍ وحقائق متعددة في «غيمة آمال»

«الحديثي» تناول في روايته كل أنواع الظلم والاستغلال مستخدمًا النقد السياسي

حمدي العطار
Latest posts by حمدي العطار (see all)

أن تكتب رواية سياسية ليس بالأمر السهل أن تكون محايدًا! كما أن الانتماء لجهة سياسية يجعلك ليس منصفًا ويؤثر على مصداقية مضمون النص مهما كان الشكل الفني جيدًا.

 راسم الحديثي يخوض تجربة كتابة رواية سياسية والتعبير عن الموقف السياسي وليس عن تجربته الشخصية على الرغم من أنه جعل حركة الأنصار الشيوعية التي كان مقرها جبال كردستان هي من تتصدى للثورة المسلحة لفتح السجون وإشعال الثورة في شوارع بغداد، ولم يكن الماضي هو الذي يسرد بل جعل الحاضر له حصة في هذه الثورة.

 وهذه الإسقاطات جعلت الرواية تنقسم إلى قسمين قسم واقعي وآخر تخيلي «جاء يوم الخلاص بجهودكم الجبارة وبنضالاتكم الطويلة.. نعدكم بحكومة عادلة وديمقراطية حتى تجرى الانتخابات لتشكيل حكومة تكنوقراط منتخبة شعبيًا… الجبهة الوطنية العراقية / الأول من تشرين الثاني» ص106 ، تعمد الروائي عدم وضع السنة ليجعل التأويل متاحًا بين الماضي ثمانينات القرن الماضي وحركة تشرين الحالية!

 لا توجد في الرواية حقيقة واحدة بل حقائق متعددة ولا يوجد ضرورة بالإجماع على اعتبار واحد!

الأوضاع السياسية السيئة

تناول الحديثي في روايته كل أنواع الظلم والاستغلال مستخدمًا النقد السياسي ملقيًا الضوء على الأوضاع السياسية السيئة التي سادت فترة الحروب في النظام السابق كما يظهر صورة واضحة عن الاستبداد في الحكم «نحن المدافعون عن المظلومين الثائرون، والذين يبحثون عن حل جماعي، وهم قلة بعددهم، كبار بعقولهم وعطائهم موجودون في الداخل، في القرى والمدن وفي السفوح والجبال، وخلاياهم منتشرة خارج الحدود» ص48. 

يبدو لي أن هناك بعض التناقض لأن حركة الأنصار التي تضم الشيوعيين جعلها الروائي تستقطب كل الفئات الهاربة من السلطة حتى لو كانوا من القتلة المجرمين والسارقين ونحن نتحفظ على هذا التوصيف «كهوف تخفي تحتها العقائدي الماركسي، والوطني، والقومي، وفيهم القاتل الهارب، والمختلس المطلوب للدولة، يعيشون حياة صعبة للغاية بفقدان الأهل، والأحبة، والوطن، وسبل العيش، العيش نهارًا هنا يشوبه القلق والخوف إلى أن يحل الظلام ليصبح هامش الحركة، والهدوء، والسكينة أوسع، ويبقى ( تشي جيفارا) أملًا لهم يحلمون بلحيته الكثة وعينيه الثاقبتين في صور تزين أغصان الأشجار وجدران الملاجئ كدليل تحد، وسبيل للوصول إلى ما يبغي فقراء هذا العالم مسلوبوا الإرادة» ص43.  

كما أن مقطع تحرش الرفاق بالمومس التي التحقت بحركة الأنصار أيضًا غير مقبولة، فهؤلاء لا يفكرون بهذا الانحدار الأخلاقي عندهم وعي يفوق التصور، تجد عندهم أخطاء ولكن لا تصل إلى أخطاء أخلاقية.

 تقول (سلوى) كمبرر إلى ترك الحركة وهي تخاف أن يقوموا بتصفيتها لأن عودتها خطر كبير عليهم:(لم أخبركم بما يحصل لي من تحرشات جنسية وغيرها كوني اعتدت على هذا، لم أجد غرابة في قدري، وجدت هذا مطلب معظم الرجال بين رفيق ورجل دين) ص76 هؤلاء الرجال والنساء كانوا يواجهون الموت ويعيشون كأسرة واحدة وإذا كانت تربطهم أفكارهم فالحب عندهم مقدسًا ويكون نهايته الزواج وليس التحرش الجنسي!

براعة الوصف في «غيمة آمال»

استخدم الروائي راسم الحديثي وصف الأجواء والبيئة وكذلك الحوارات السردية الذاتية، وهناك انتقالات وعودات إلى الأمكنة وحكايات متعددة تمثل خطوطًا أساسية في السرد ونتوقف قليلًا أمام عمر الصبي (صدفة) وما قام به من أعمال الرجال الذين يتصفون بالخبرة  الناضجة والشجاعة والرجولة «كانت الشمس قد أسفرت وحان قطاف ثمارها، فشرع الرعاة بمسيرتهم السرمدية مع قطعان أغنامهم مخترقين السفوح، والسهوب، والمروج الخضر هنا وهناك، شمس  تبث النشاط في أسراب من طيور زاهية بجمالها وتنوع ألوانها».

الخاتمة

رواية (غيمة آمال) للروائي «راسم الحديثي» هي رواية مجازية عن حقبة تاريخية فيها بعد سياسي معقد، لجأ فيها البعض مضطرًا إلى استخدام أسلوب الكفاح المسلح وليس من السهل معرفة كل التفاصيل من دون المعايشة الحقيقية للوضع، مع هذا هي رواية تستحق القراءة والاهتمام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى