إبداع

مفاجأة هلال في صانع الآلهة

د.تامر عزالدين
Latest posts by د.تامر عزالدين (see all)

حينما يُحبط الانسان ويتراخى عقله ولا يعد يستطيع اللحاق بأشواط التحضّر فما له سوى الإذعان لأي شيء بسيط يتخيله حلاّ وسكينة له فيأنس الركون إلى الغيبيات والتخييلات المريضة غير الواقعية ملاذاً وهروباً من التفكير والوصول إلی الحقيقة بسبب عدم قدرته وهوانه، لأن تلك الاستكانة لعوالم الغيب غير الواقعية توفّر الراحة للعقل و الحياة الدونية المعطلة للفكر والابتكار .

هذا بالضبط ما يجري عندنا في عالمنا العربي عامة وفي مصر خاصة؛ حين يلجأ العاجز إلى الأساطير والخرافة والوهم بالرغم من أننا في عصر انفجار العلم وامتداده المهول؛ فنقع في هوّة الفشل المتعدد الأشكال؛ فشلنا في الابتكار العلمي، فشلنا في التحضّر، فشلنا في فهم واستيعاب وممارسة الحياة الحديثة، فشلنا في تقديم منجز واحد للبشرية في العصر الحديث، فتراكمُ الفشل يؤدي إلى نوعين من رد الفعل؛ الأول نكوصي مهزوم يجعلنا ننغلق على أنفسنا ولا نقبل الإفصاح عن علّتنا وأخطائنا، والثاني عنيف يجعلنا نرفض هذا العصر الحضاري الناهض كلّه ونكرهه فنفجره بوجه من يصنعه ومن يشيّد لبنة علمية للإعمار والرقي.

الناس العاجزون بصفة عامة تتجه إلى الأساطير والخرافة على انها يقين لا يجب زحزحتها من العقل؛ لأنها توفر الراحة لهم وتُغنيهم عن الجدل والعمل والمنافسة والابتكار والإبداع، وفيها يتمددون بجهلهم وينامون مثل المخدّرين وينعمون بسعادة تبعدهم عن التفاصيل وعن معرفة الحقيقة
يلجأ الناس إلى الأساطير؛ لأنهم ينامون فيها على وسائد مليئة بالأحلام والأماني الكاذبة البعيدة عن الواقع.. فهي الرحم الأول الذي خرج منه الجهل وعبادة الأصنام
والدين يُسمي هذا الارتخاء والاسترخاء بأنه الدعوة المضللة” هذا ما وجدنا عليه آباءنا وهذا ما يجعل من الأسطورة والخرافة بمثابة (البيت المريح) الذي يعود له الإنسان بعد عناء التاريخ وضوضائه وعمله المضني، وهكذا نشأ الصراع بين الأسطورة والتاريخ واختار فقهاء الأديان ومعهم العامة بينما اختار المبدعون من العلماء والمفكرين والخاصة المتنورة عناء الكفاح والتقدم والمثابرة والعناء المثمر طوال مسيرة حياتهم .

عصر العلم لا يليق بالجهلة والعاجزين والواهنين عقلا وعضَلاً ولهذا هم يختارون الأساطير وأوهام السلف ويقنعون بما جاءوا به بلا تمحيص أو غربلة عقلية .
وفي قصة صانع الآلهة فاجئنا محمد هلال بحكاية غريبة عرج فيها علي عدة قضايا ببساطة الحكي وبسرد يتميز بنمط مشوق كالذي تعمدته شهرزاد مع شهريار لتربطه بحكاياتها وجعلنا نتسائل أكثر من مرة تراها حكاية حقيقية۔

إنه يبدأ من نزلة السمان ليعود بنا عبر الزمن من خلال مخطوطات تحكي التاريخ من وجهة نظر مختلفة إنها وجهة الطرف الأخر كيف يمكن أن يكون منطق الأخر علي الحكاية التي تعرفها بمنطقك الأمر شائك و ملئ بالتحدي الفكري ستجد نفسك داخل أحد بيوت نزلة السمان تناقش مع الأبطال فكرة تجديد الخطاب الديني بين الرفض و القبول و سترحل وأنت في مكانك في رحلة للبحث عن الحقيقة التي كان يبحث عنها سيدنا إبراهيم و ستجد الزمن يذهب ويعود داخل غرفة الأسرار ليحطم التابوهات والخرافات التي يصنعها البشر بجهلهم أحيانا و بخوفهم أحيانا أخري ليعيشوا في خوف و رعب من المجهول و يؤمنوا بالخرافات إيمان كفار قريش بالأصنام و بين التوثيق و الخيال وصل بنا محمد هلال إلي نهاية كأنها هي أصل نزلة السمان و لكنها حقيقة أقرب منها إلي الخيال .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى