
- مكائد الشخصيات في رواية «نيران ليست صديقتي» - 6 يونيو، 2020
- سليل الخيال - 28 مايو، 2020
- يجب أن تنجح العملية! - 26 مايو، 2020
الرواية عالم فسيح تصب فيه مختلف الأفكار والرؤى والمفاهيم والحكايات، لتنتج واقعًا مؤطرًا بالخيال والحلم والرمز.
وفي أغلب الأحيان تنطلق الرواية من حدث حقيقي عاشه الكاتب في حقبة ما من حياته، فسجله ووثقه في أوراقه الروائية بمخيال وأسلوب خاص يجعله متأثرًا بكل ما جرى.
في كل توثيق نكتشف بأن الكاتب يستطيع البوح بكل أريحية في تسجيله للوقائع التي مرت به وأثّرت في خياله. لأن الكتابة عن النفس، هي كتابة لها معناها وغاياتها المؤطرة بإنسانية وتحمل مزايا عديدة تجعلها قريبة من الناس.
«نيران ليست صديقتي» تحمل ألم وحزن وسعادة
في رواية «نيران ليست صديقتي» للروائي كاظم الشويلي، ثمة بوح من نوع آخر تمامًا، ما جرى وما يجري في كل حقبة زمنية، هو يقول الأشياء التي مرت وعلى المتلقي أن يفهم القصد منها ويحلل خفاياها وما تحمله من ألم وحزن وأحيانًا سعادة. فيسجل نتاج تلك المكنونات المخزونة في صدره الغارق بالحكايات.
يقول الكثير والكثير دون حواجز أو عوائق أو تعقيد في الروي، لأنه يعتبر ما يبوح به أحد أهم الأحداث الحقيقية التي مرت به وهي المرموز الصادق الذي تتفرع منه الأحداث. لذا كانت الرواية خلطة موفقة بين الواقع الذي عاشه بكل حرقة وألم وبين الواقع الآخر الذي اكتشف أنه واقع مأساوي وشديد القسوة ولا يقل عن ذاك الواقع الحزين والمؤلم الذي عاشه.
في البداية يأخذنا الروائي إلى فيض المحبة والجمال و عطر الحياة والعشق الإلهي الذي ليس له حدود ومن ثم يتجه بنا إلى حيث الحياة القاسية التي لا يمكن أن يتحملها أي إنسان لقسوتها والمعاناة التي يكتوي بنارها .فيتباصر مع نفسه ودواخله ويميط اللثام عن كثير من الأحداث التي هزته كإنسان.
التناقض في الشخصية المحورية للرواية
فنلاحظ أنه يظل يسعى لتأطير علاقاته بالحب والمودة لكنه يصطدم بأن في هذا الواقع الكثير من الزيف والخيانة القاتلة. نيران الفتاة التي اعتبرها الكاتب هبة ربانية، تتحول في نظره إلى كائن آخر تمامًا حين ترتكب جريمتها البشعة بالإخبار عن زوجها نكاية به لأنه متزوج من ثانية.
ونجد أنها تخاطب الشخصية المحورية في الرواية وهو الكاتب كاظم عن روايته الجديدة. ثمة تناقض واضح بين تصرفها الإنساني الغائر في الأعماق وهي تتكلم معه عن روايته، وبين القبح الذي اصطبغت فيه بخيانتها.
يوضح الكاتب أن الإنسان لا يمكن أن يكون ملاكًا إلى الأبد وخاصة أن صدّقنا أفعاله التي تنضج غدرًا مستترًا. الشخصية المحورية تتعلم أن تمسك بخيوط ثقافتها الأولى في الأسر وهي من أصعب الفترات التي تتهاوى فيها أية عزيمة، لكننا نجده هنا يشق طريقه في المكتبة وينهل من كتبها عندما يطلب مفتاحها من الشيخ صالح.
هنا تكمن بدايات تكون مفاهيم الثقافة الأولى وهو يلتهم الكتاب تلو الكتاب في زمن صعب، زمن لا يحتسب من عمره أصلًا. هذا الزمن الذي استثمره في بنائه الفكري والأدبي ليكون كاتبًا.
يسرد الروائي أيامه في الأسر بكل صدق وهي مكتوبة بطريقة تسلب إعجاب المتلقي لكونها تخرج من القلب الذي عاش المرارة والخسران. إلا أن (كاظم) الشخصية الروائية قد يكون هو كاظم كاتب الرواية، فيتوقف المتلقي أمام فكرة المقارنة بينهما مع أن كل الدلائل تشير إلى أن كاتب الرواية هو الشخصية المحورية في العمل فلا تشابك في المعنى ولا تشكيك.
إسقاط الواقع على الأحداث
من هنا نكون أمام رواية مكتوبة بطريقة خاصة، طريقة إسقاط الواقع ومجرياته الشخصية على الأحداث وهذا ينتمي إلى خانة الكتابة الشخصية التي برع فيها كتاب من كل الفئات في العالم.
هي تسجيل لوقائع درامية ولكنها لا تصنف كمذكرات خالية من الروح. أعتقد بأن الروائي كاظم الشويلي أفصح عن مكنوناته المنتجة من أحداث جمعها بعناية وأطَّرها بمعالجة روائية أنتجت رواية سلسلة خالية من التفرعات والتعقيد وموغلة في الحس الإنساني ومعالجة بطريقة مؤثرة.
تجعلنا نتأمل كاظم في الرواية الذي ينضح طيبة وإنسانية وهو يتعامل مع الآخرين إن كانوا هم الأسرى أنفسهم، أو من أصدقائه في واقعه الآخر أو زوجته أو الفتاة ومكائدها التي حركت مشاعره وهي التي ندم على تصرفها الأهوج الذي قلَبَ موازينه.
فيكون التحدي الأكبر حين تتصارع في نفسه الأفكار وتتقاذفها الخسارات التي مُنيَ بها وهو يستجمع خيوط عالمه بين زوجته وبين نيران وبين كل من عرفهم.
إنها طبيعة الإنسان وهو يكتشف متاخرًا كم كان قلبه صافيًا مُعافى وهو يحكم على الآخرين ومنهم نيران.
في رواية «نيران ليست صديقتي» تكون الشخصيات هي المؤثرة على الفعل الحكائي وهي المحركة له، فبنى كاظم الشويلي عالمًا من الشخصيات بطريقة ردود أفعالها. فصار لكل واحد منها ردة فعله الخاصة وهو بالتالي جزء من البناء الروائي بأكمله وهذا ما يجعلها رواية تستحق التأمل كثيرًا