
- شاعرة لا تدعي الشعر - 29 أبريل، 2021
- مزار ثور - 11 نوفمبر، 2020
- خبايا قرية - 26 سبتمبر، 2020
كان أول المساء، يوم شهدت النسوة ارتفاع بطنها، تحلَّقن حول بعضهن، تهامسن بطربٍ. وفي ساعات الغروب من تموزات هذا البلد المتسربل بحرارة الطقس، اعتاد الجميع أن يخرجوا من بيوتهم الملتهبة والجلوس أمام أبوابها، يبحثون عن نسمة ضائعة، يرمقونها تسرح كلبوة أسدٍ جائعة، فاقدة العقل، نافرة الجسد، بثديين يرتقصان على نغمات فوضى وجودها.
بكماء، هكذا أنجبتها أمها رحمها الله، لتقضي بقية وجودها كأنثى تحت سقف سلم البيت، ورحمة زوجة أبيها.، منفوشة الرأس، سملة ثوبٍ أزرقٍ يلتصق بجسدها منذ ودعتها والدتها، لا توجد قدرة لوالدها على استبداله، فسطوة زوجته جعلته أسير قدره.
تغوَّرت رائحة قصتها تجمعات النسوة في كل مساء، وهي تهتز بخلفية ممتلئة وبيدها كأس ماءٍ أو قطعة خبزٍ من الأطفال وهم يحومون حولها. تلك لحظة السعادة المتناهية لزوجة أبيها، الحلم الذي تصبو إليه كي تتخلص من عبئها، فدقت طبول قصتها، وسعت أن يعلم الحي كله قصة ارتفاع بطن منيرة.
همسات النسوة تنسج قصصًا
حتى أرهف السمع أبيها إلى صوت زوجته وهمسات النسوة ، نسجن قصصًا حولها. أمست قصة ألف ليلة وليلة.. يقودها الصبية إلى خرابة أم علي.. إلى شقة خالية.. على ضفاف النهر.
– «روح لطبيبة نسائية تكشف عليها».. قالت زوجته.
تسمَّر في مكانه، ارتجف، يخاف المفاجأة، والعار الذي سيلاحقه، ساقها أمامه وهي ترنو إلى أطفال المحلة كي تشرب الماء وتأكل، ساقها وهي فزعة مستغربة.
النسوة بقدرتهن حدسنّ إلى أين؟! ينتظرن آخر الأخبار بشغف لم يدركنه من قبل، بصبرٍ كي يعلنَّ فضيحتها على رؤوس الأشهاد. وفي غياب شفق ذاك اليوم المشؤوم، عاد والد منيرة وهو يجرها بعنفٍ محاولاً أن يخفي حاله، منكوءً يسحب أذيال الخيبة.
وفي غَبش الصبح، وعلى ضفاف النهر، كان خيطُ دمٍ رائقٍ يتسرب من جسدها الطري، صيادوا سمك المحلة أشاعوا خبر ذبحها، وخبر ردم جسدها في حفرةٍ كانوا يجمعون صيدهم فيها. هكذا بدأت زوجة أبيها تقص قصتها، قصة إفتضاض غشاءها الوردي، رمز انوثتها، رمز وجودها، وتسرد لهن كيف كان والدها يجرها من شعرها ويضرب رأسها بالحائط، وكيف أسكنها تحت سقف سلم البيت.
وتطول قصة منيرة، وتفوح إشاعة جديدة من أفواه ذات النسوة، منيرة طاهرة وشريفة، الجن اخترقها، هو سبب حملها. وتمر السنون لتصبح هذه القصة يسردها الأطفال في لياليهم، ويعيشون خيالها في أحلامهم.. منيرة والجن.. منيرة والجن.