إبداع
هل تعيد «كورونا» توزيع ثروات الأمم ؟
تجاهل «سميث» المباديء الإسلامية التي تعتمد على الملكية المزدوجة

Latest posts by د.تامر عزالدين (see all)
- أبيض وأسود - 22 فبراير، 2022
- البطل المفقود - 9 أكتوبر، 2021
- حصان طروادة - 28 أغسطس، 2021
(أعطني ما أحتاج، وستحصل مني، بالمقابل، على ما تحتاج).
من هذا المعتقد الذي يوجد بشكل طبيعي لدى كل واحد منا ينبع التعريف «الليبرالي» للإنسان باعتباره إنسانًا اقتصاديًا.
إننا إذن، كما يستنتج ذلك سميث: «لا ننتظر من الجزار أو بائع الجعة أو الخباز أن يوفر لنا عشاءنا بفعل الاهتمام بنا وحده، بل بفعل الفائدة التي يجلبها توفير هذا العشاء لمصالحهم، إننا لا نتوجه بالخطاب لإنسانيتهم وإنما لأنانيتهم».
هذا ما ذكره آدم سميثAdam Smith في كتابه «ثروات الأمم» Homo – économicus
ويعتبر هذا الكتاب هو العمل الأكثر شهرة لسميث، والذي تم نشره في التاسع من مارس عام 1776. وهو بمثابة أول كتاب حديث يتكلم عن الاقتصاد الرأسمالي.
يعرض سميث فيه تحليلًا عن مناطق الرخاء في العالم مثل انكلترا وهولندا، كما أنه أدخل تعديلات في نظريات الاقتصاد التي تدور حول تقسيم العمل والسوق والعملة وطبيعة الثروات وأسعار أسواق العمل والمرتبات والأرباح وتراكم روؤس العمل.
ثروات الأمم والوضع الحالي للاقتصاد
وفي يومنا هذا يعتبر «ثروات الأمم» من أهم الأعمال في النظام اقتصاديًا والذي يعالج الوثيقة التي يقوم عليها الاقتصاد الرأسمالي.
هذا النظام الذي يتعرض لأصعب امتحان مرَّ به في تاريخه حيث يواجه أصعب سؤال الآن..
هل سيُضحى بالإنسان في سبيل بقائه، أم سيُخفض رأسه ويضحي برؤوس أمواله في سبيل بقاء الإنسان البسيط الذي يعتبره في عقيدته إنسانًا اقتصاديًا؟
أي أنه لا يعترف بكون الإنسان موجودًا إلا إذا كان هذا الإنسان ذو فائدة اقتصادية وربحية له.
لكن الحقيقة التي وضعت أزمة (الكورونا) تحتها خطًا فسفوريًا لتظهر بوضوح للعيان أن شعوب العالم قد ضاقت ذرعًا بالجشع والاستغلال وانعدام العدالة. وتكدس الثروات في أيادي قلة قليلة، فهي أمور لصيقة بالنظام الرأسمالي ونتاج طبيعي لقواعد عمله.
كما أن انحياز الدولة لأصحاب رؤوس الأموال على حساب القاعدة العريضة من الناس كان دائمًا مؤشرًا خطيرًا لإحداث قلاقل اجتماعية في أي وقت، عندما تضيق الأمور بالناس وقت الكوارث..
ولأن أمريكا هي المثال الواضح للرأسمالية في العالم، فإننا نجد على سبيل المثال أن أغنى 10 بالمائة من السكان يجنون 47 بالمائة من إجمالي الدخل القومي، بينما تبلغ النسبة في أوروبا 37 بالمائة، وفي الصين 46 بالمائة وهذا يؤكد حقيقة اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء في ظل نظام يساعد الأغنياء علي مزيد من الثراء والفقراء علي مزيد من الفقر.
ماذا سيفعل الأغنياء بعد أزمة «كورونا»
وبما أن الثروة تتكدس لدى أصحاب الأموال بمعدلات تفوق معدلات النمو الاقتصادي، لذلك سيظل دائمًا هناك خلل في تركيبة المجتمع، وهنا وأمام هذه اللحظة التاريخية الفاصلة في مصير الأمم نتساءل.. ماذا سيفعل الأغنياء الذين تتكدس الثروة في ايديهم بعد أزمة الكورونا؟ وماذا سيفعل الفقراء الذين سيجدون أنفسهم عاطلين عن العمل بعد أن تغلق الشركات أبوابها في ظل تلك الأزمة القائمة؟
وهل سيضحي الأغنياء بالفقراء فيكون قرار فك الحظر الصحي بيد من في مصلحته أن تدور عجلة الإنتاج والمصانع؟
وهل ستعترف أغلب دول العالم أنهم خسروا كثيرًا لأنهم لم يأخذوا بالمبادئ الإسلامية في إدارة الثروات وقيادة عجلة الإنتاج؛ تلك المبادئ التي تجاهلها سميث في النظام الإسلامي الذي يعتمد على الملكيّة المزدوجة حيث يحق للإنسان التملّك ضمن حدود الشريعة الإسلاميّة، وعليه أنّ يُحافظ على أملاكه من خلال استخدامها بطريقة عادلة وبعيدة عن ضررها أو إهدارها.
ويربط حركة التجارة والمكسب والخسارة بقواعد أخلاقية يجد فيها الإنسان أن الأولوية لحياته وأمنه تحت قانون (لا ضرر ولا ضِرار).
ويربط الغني بالفقير في علاقة سماوية تحث على التكافل الاجتماعي، بحيث يعتبر الغني أن الفقير شريكًا له في ماله بنسبة حددها الله ليس للإنسان دخل فيها.
لقد تنبأ كارل ماركس قبل 170 عامًا بانهيار الرأسمالية، فانهارت الاشتراكية و ازدهرت الرأسمالية.
تشابك اقتصاديات العالم
واليوم وبعد كارثة (الكورونا)، فإن العديد من الخبراء باتوا يعتقدون أن النظام الرأسمالي الحالي لم يعُد مهيئًا على الأقل في المدى القريب من تجاوز أزمته الحالية في الاستمرار، بل إنه قد لا يتمكن من ذلك مثل المرات السابقة عندما قاموا بإدخال بعض الإصلاحات عقب بعض الانهيارات السابقة.
وذلك بسبب أن اقتصاديات العالم أصبحت متشابكة في ظل العولمة، فأصبحت الأزمات أيضًا متشابكة، وأصبح من الصعب إنقاذه من السقوط كما كان من قبل.
السؤال الذي يتبادر الآن هو..
ما هو النظام الذي يمكنه أن يأخذ بيد ثروات العالم ليمنع ضياعها ؟!