إبداع

وحدها شجرة الرمان

طفولة طويلة مع الأكفان والموتى وشباب مع الفن

خالد مهدي الشمري

سطور هذه الرواية التي تحمل بين طياتها دموع وألم وحزن يكاد يكون معتاد عليه في العراق خاصة.

هذا البلد الذي ما إن تنتهي حرب حتى تدخل الأخرى، هي حياته اليومية منذ القدم ليزيده أنطون التأثير بالقارئ كتب لشخصية تتعامل مع الموتى في زمن كثر فيه الموت.

تدور أحداث رواية «وحدها شجرة الرمان» في العراق حول مأساة شاب عراقي يكتب له القدر أن يولد في عائلة تمتهن غسل الموتى وتكفينهم، كانت طفولة طويلة مع الأكفان والموتى، لكنه عندما يصبح شابًا ينجرف نحو الفن ويتمرد على والده ويصر على دراسة النحت في أكاديمية الفنون الجميلة.

 

الموت في اليقظة والمنام

ويشخَّص الواقع بقسوته أمام بطل الرواية، ليجد أمامه الظروف تساند الواقع بين حرب وبين حصار اقتصادي، فيضطر إلى العمل صباغًا للبيوت عند العائلات الميسورة والتي اغتنت بفعل الفوضى والفساد الذي عمَّ البلاد بعد الحرب الأخيرة والاحتلال وموت والده، فتضطره الظروف إلى ممارسة المهنة نفسها التي ظل يهرب منها طوال حياته، فيعود إلى غسل الجثث وتكفينها، ومع تزايد العنف الطائفي في البلاد، تتراكم الجثث أمامه، فيصبح الموت رفيقه في المنام واليقظة.

وهنا يبرع الكاتب في الغور في النفس وأسرارها وما ينبعث منها من مفارقات نتيجة للظروف الخارجية، نقف اليوم أمام نص جميل ينتشل الصور ويحركها بين أكفان الموتى وحياة هذا الشاب البائس لتكون معزوفة حزينة تنقلنا إلى أماكن وأزمنة مختلفة.

على الرغم من حتمية الموت وأنه الرفيق المزامن والذي نشهده يوميًا ونتعايش معه، إلا أن براعة الكاتب جعلت النص السردي يخرج عن نمط الحكاية إلى الروي ويبرع في تقديمه بشيء من النشوة الفكرية والخيال الأدبي الواسع ليكون فيلمًا متحركًا وقصة تجذب المتلقّي، ويتعاطف مع مجرياتها راغبًا بإكمالها ومعرفة نتائجها ومخرجاتها.

الحدث الأكثر تشويقًا تلك التي وصف فيها شجرة الرمان التي كان قد زرعها والده والتي كان يأكل من رمانها كانت تُسقى من ماء الأموات..

ليتوقف عن أكلها بعد أن علم بماء الغُسل يسقي الشجرة فتشرب من ماء الأموات. كما صور الروائي جيلين مختلفين بين الطفولة وبين مرحلة الشباب ليكون تداخل الزمن والمكان في صيرورة السرد والروي ولا يبتعد عن أسلوب الحكاية كثيرًا .

 

تصوير مكان غسل الأموات

قدَّم سنان أنطون للمتلقي منظر لم يشهده كثيرًا، وهو مكان غسل الأموات وبطريقة جميلة ينقلك بين أجزاء المغتسل ويصور المكان بطريقة الثلاثي الأبعاد ليقف أمام الدكة التي يوضع عليها الميت والأجزاء البسيطة في الغرفة بحيث لم يغفل تقشر السقف ليصفه بأوراق الخريف التي تتأهب للسقوط، وشعاع الشمس الذي يدخل عبر نافذة في أحد أجزاء المكان، وتلك المصطبة التي خُصصت لجلوس أقارب الميت والمنتظرين لإكمال الغُسل، حتى يصل إلى نهاية الغرفة والباب المُطل على الحديقة ليصل بنا إلى شجرة الرمان التي يتوقف عندها المتلقي ولا يتجاوزها لأنها وحدها حكاية.

كما استوقفني ذلك الحلم الذي جاء فيه رجل كبير السن إلى (جواد) وقال له: «قُم يا جواد واكتب» حتى كتب مئات الأسماء الذين سوف يموتون غدًا حتى وصل إلى نهاية الأسماء، اختفى الرجل فرجع إلى دفتره ليجد أنه كتب شيء واحد وكرره كثيرًا وهو.. «كل نفسٍ ذائقة الموت».. وقفت عندها كثيرًا لأن الكاتب نجح في استفزازي كثيرًا، كذلك الصورة التي نقلها بليغة جدًا وتحمل معانٍ أكثر.

لم يبتعد «سنان» كثيرًا في الروي والسرد عن الموت ما أن يغادر المكان حتى يعود بسرعة حيث كان بين الطلاب ويسرد مشاعر الطفل بين أقرانه، وهو يعود بذاكرة الطفل نحو الموت وأنه ملاحق ليكون الثمية الأساسية في هذه الرواية.

 

قصة حب

وكأي رواية هناك حبيبة وهي (ريم) والتي شغلت بال وتفكير بطلنا ليكون بين المغتسل وريم الحبيبة وبين كلية الفنون التي شاركت ريم في أحلام البطل جواد، والذي يطلعنا الكاتب على مأساة بعد أخرى بين حين وحين عن جواد والذي يوصف مقتل أمير شقيقه الأكبر الذي كان قد تخرج من كلية الطب في إحدى المعارك في عام  88 في نهاية الحرب العراقية الإيرانية.

كما لسفر ريم الذي أثَّر كثيرًا على جواد وما علم به من مرض ريم واستئصال ثديها بسب المرض ليكون بعد كل هذا عاطلًا عن العمل بعد 2003 متناقضة كبيرة وأحداث مشوقه تصيب البطل لتضيف للرواية التشويق وعنصر المفاجئة.

كما أعجبني التزاوج والتلاقح بين فكرين مختلفين بين الموت والفن رسم الكاتب افكارًا مختلفة بين اتجاهين مختلفين وسار بهما معًا، حيث كان الطفل الذي يحب الرسم والجزء الجميل وهو يرسم شجرة الرمان ليضع التقاليد والأعراف محط التعريف وحرمة الميت وعدم رسمه في حوار بين الاب والابن.

وفي حوار داخل الصف ليكون نتيجة وهي أن الفن خالد، وهنا عكس الموت فهما طريقان مختلفان الخلود والموت. كما في ص46.

 

صور بين الحب والموت

بين الحب والموت كانت هناك صور الغرام والتي زين فيها الصفحات بين حين وحين حتى نصل الى ص77 التي دار فيها السرد بشكل مختلف بصورة السينمائية تقريبًا، ليصور لنا المشاهد التي تغير وتخفف حدة الموت والألم في هذه الرواية وحتى ص80 وهو ينتشي من حوار الجنس وسرد العاطفي الفاضح والجريئ.

صوَّر الكاتب خلال سرد مشوق أحداث 2003 بصورة سلسة كأنك تعيش الأحداث مع البطل بكل حذافيرها ينتقل من جزء إلى آخر بشكل جميل، يبتعد قليلًا عن الموت والغسل ليعود أدراجة بين شجرته الرمان والمغتسل. لم يغفل جزءًا من الأحداث التي عاشها العراقيون بين خوف وموت وفرح.

صوَّر لنا الكاتب الإحباط الكبير الذي دخل فيه البطل حتى وصل إلى فكرة الهجرة والسفر، حتى يوصلنا إلى مفارقة سردية جميلة وهي منعه من السفر على الحدود ليعود مرغمًا إلى عمل والده بين الأموات وأكفانهم كانت بداية النهاية لتكون هي البداية الجديدة.

وكي لا ننسى البداية مع كابوس يتكرر دائمًا يصور الكاتب مشهدًا غراميًا مختلفًا بين جدران المغتسل بين نشوة الحب والرغبة، تتحول إلى كابوس يجد نفسه مقطوع الرأس وتأخذ منه ريم مقيدة هكذا كان يتكرر هذا الكابوس ليكون بداية الرواية وهنا تكون بدايتها الثانية.

 

باب الحرب… في رواية وحدها شجرة الرمان

استخدم الكاتب السرد المفعم بأجواء الحرب التي ذهب فيها إلى أيام مختلفة بين قبل أحداث 2003 الحرب الإيرانية العراقية ثم ما بعد الحرب وأحداث الاحتلال وتصرفات الجيش في حينها والأجواء المشحونة بالموت كما تطرَّق إلى الحرب إبان عام 1991 واختلال الكويت.

باب الحب…

في حلم المغتسل وريم ولحظات الخوف العاطفي بدأت الرواية بسرد جميل ثم بعد حين نكتشف بأن مريم حب جواد الذي صادفه في الأكاديمية بين الفن والحب، ثم بعد هجرتها إلى الخارج ينتقل إلى لحظات غرامية وعاطفة وجنس مع غيداء التي هي الأخرى تهاجر إلى السويد .ص91ص61 وغيرها.

باب الحلم والخيال…

استخدم الروائي أسلوب الخيال والحلم وأطلق عليه اسم الكابوس ليوصل فكرة ما وفعلًا نجح في إيصال في الحلم تنبيهات حول مستقبل حبيبته (ريم) في الروي، كذلك نوَّه عن مجريات الأمور في حلم آخر أو كابوس آخر تمثلت في أحد التماثيل وهو مستلقٍ على دكة الغسل، وذلك الكابوس الذي تحدث عن رجل عجوز على المغتسل بين سرحان فكر (جواد)، وإذا بالرجل يصحو من الموت ويهز رأسه إلى آخر الروي، وهنا نوَّه عن الأحداث التي صاحبت الاحتلال وكثرة الجثث وغيرها من الكوابيس.

باب استخدام اللغة العامية في الروي…

خلال الروي استخدم عبارات وجمل من العامية أضافت للسرد جمال وحلاوة كما استخدمها في أكثر من مكان .ص110,105,75 وغيرها الكثير.

باب الأغاني والشعر…

حينما أضاف كتابة الأغاني القديمة وترديده الشعر العامي؛ جعل للتراث والفن مكانًا بين الجماليات الكثيرة في هذه الرواية كما في أغنية (هذا مو إنصاف منك) التي كتبها في السرد ص124، ص80.

 

سنان أنطون شاعر وروائي وأكاديمي عراقي.
حياته:

مواليد بغداد، العراق، 1967.

أكمل البكالوريوس في جامعة بغداد، قسم اللغة الإنكليزية عام 1990.

هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1991.

حصل على شهادة الماجستير في الدراسات العربية من جامعة جورجتاون عام 1995.

حصل على الدكتوراه من جامعة ّهارفارد بامتياز عام 2006.

عمل أستاذًا مساعدًا في كلية دارتموث 2003-2005.

عمل أستاذًا مساعدًا في جامعة نيويورك عام 2005

حصل على الكثير من المنح منها منحة ميلون للبحث الأكاديمي عام 2003 ومنحة من برنامج أوروبا في الشرق الأوسط في برلين عام 2009.

دراسته:

حصل على شهادة الليسانس في الأدب الإنكليزي من جامعة بغداد 1991.

حصل على شهادة الماجيستير في الدراسات العربية من جامعة جورجتاون 1996.

حصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد 2006.

أعماله:

صدر له ديوان شعر بعنوان (موشور مبلل بالحروب) عن دار ميريت، القاهرة 2004.

رواية بعنوان (إعجام) عن دار الآداب عام 2004.

أخرج فيلماً تسجيلياً بعنوان (حول العراق) عام 2004.

رواية (وحدها شجرة الرمان) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، عام 2010.

ديوان شعر بعنوان (ليل واحد في كل المدن) عن دار الجمل، 2010.

رواية (يا مريم) عن مجزرة كنيسة النجاة و ترشحت لـجائزة البوكر العربية ووصلت للقائمة القصيرة وكانت عن دار الجمل لعام 2012.

رواية (فهرس) في بداية عام 2016 صدرت عن دار الجمل أيضًا .

الترجمات:

ترجمت رواية (إعجام) من قبل الكاتب وربيكا جونسون ونشرتها دار سيتي لايتس في سان فرانسيسكو عام 2007.

ترجمت مجموعة من أشعاره إلى الإنكليزية ونشرتها دار هاربر ماونتن برس عام 2007.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى