إبداع

وقت المحن تتصافى القلوب

قراءة في رواية «العزَيزَة» أو «المخلوط السحري»

عبد الكريم حسن مراد
Latest posts by عبد الكريم حسن مراد (see all)
يشكل المكان في الرواية عنصرًا مهمًا من عناصر الرواية كما يرى أ.د. أحمد الزعبي، في كتابه النقدي (الإيقاع الروائي)، فالمكان يمكن أنسنته تارة من خلال استنطاقه أو تحريكه في مخيلة الشخصيات حين تتداركهم لعبة الذاكرة والحنين، ويكون الملاذ الآمن في لحظة الخطر الذي قد يحيق بالناس، فالخصوم تتفتت لحظة ورود الخطر على بقعة من بقاع الأرض.
من خلال هذه المقدمة ندرك أن الكاتب «راسم الحديثي» قد رسم لنا في لعبته الروائية الجديدة «العزَيزَة» الصادرة حديثًا من «دار النخبة المصرية»، ليكشف لنا أبعاد أحداث عمله في لحظة المحنة التي تدرك الإنسان لحظة الخطر.
فشخصيات روايته يجمعهم مكان له تاريخ بعيد وحتى اليوم، حيث كانت مكانًا آمنًا لأهلها ولشخصيات لها بصمة وتاريخ في هذا الوطن.

لحظة الخطر تجتمع القوى للذود عن الوطن

في مدينة (الحديثة) التي استفاقت على صوت إطلاقات نارية وأعمدة دخانية رسمت سوادًا في السماء، لتنذر انتهاك المدينة من قِبل غرباء حاصروها بالتعاون مع بعض المتخاذلين؛ مما دفع بأبنائها بالذود عنها وكان في مقدمتهم الرجل الذي ترك زوجته في البيت لوحدها وينتصر بصموده ويفرح، ولكن مصاب خفي وقع حين فقدت زوجته عقلها وبقيت تعيش مرددة (لا اله الا الله…).
هكذا وجد طبيب المنطقة ضرورة نقلها إلى بغداد للمعالجة هناك، كانت رحلة ألم وخوف من مخاطر طريق مُسيطَر عليه من قِبل مسلحين مجهولين يرون أن أهل مدينة حديثة كفّار يستحقون القتل، فيذهب زوجها ليستجدي موافقة طيران الجيش في قاعدة عين الأسد وبيده التقرير الطبي اللازم لذلك.
وهناك الحوار الجاد والراقي بين الروائي والأستاذ (محمود)، هذا الأستاذ الذي درّس أجيالًا والذي شارك في صباه في نضالات الوطن والوطنية، وعانى من الاعتقال والكثير من لا مجال لذكره.
حوار جاد يكشف الروائي «راسم الحديثي» حجم معاناة هذا الرجل المُسن والراحل من مدينته بسبب الجوع والافتقار لأبسط مستلزمات الحياة ومنها العلاج الطبي.
ثم سائق البيكب (رزوقي) حين سخّر بيكبه القديم والتعبان لإيصال من يود الخروج من المدينة لأسباب قاهرة مجازفًا بحياته، فطريق مدينة حديثة- قاعدة عين الأسد، طريق ملغَّم ومحاصر من الجانب الآخر لنهر الفرات من قِبل الدواعش.

«العزَيزَة» الموروث العراقي 

يسترجع الكاتب بسرده إلى تاريخ 2005 حين قُتل ضابط أمريكي بواسطة لغم نُصب تحت عجلته، ليثأر الأمريكان له بقتل 24 رجلًا وكهلًا وامرأة وطفلًا قُتلوا في مضاجعهم من دون أن يعلموا سبب قتلهم، عوائل أُزيلت عن بكرة أبيها، مجزرة حديثة التي دخلت التاريخ ومثلت بفيلم أمريكي وآخر عراقي.
«العزَيزَة» تلك العظمة ذات الرأس البيضوي الذي يشبه رأس فتاة تزوق وتُرمى في بيت يحل فيه الخراب، هو موروث متخيَّل ولكن الناس تعتقد به في عموم العراق.
أراد الروائي أن يقول هل في أرض الرافدين (عزَيزَة) ولا يسلم هذا البلد حتى نجدها ونخرجها؟
ارتأت دار النخبة المصرية أن تسميها «المخلوط السحري» وهو عنوان الفصل الأخير لكونهم لا يعرفون «العزَيزَة» ومعناها؛ ومن هنا تظهر أسمان للرواية، وأرى لو كان عنوانًا واحدًا لكان أسهل وأفضل.
يعود الروائي إلى تاريخ العراق المضطرب بالانقلابات العسكرية والعنف عبر تاريخه مارًا بلحظات جميلة وهادئة، يشير إلى تاريخ مدينته التي عاش بها كل أطياف العراق المختلفة قوميًا وطائفيًا بأمان وقبول وود.
ملاحظات:
كانت لغة السرد سريعة نوعًا ما وتحتاج إلى تطوير، وقد أراد الروائي أن يتحدث بما يرضي أهل مدينته المنكوبة، باعتبار هذه الرواية تاريخًا لحدثين حصلا بعد 2003 بالأسماء الصريحة.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى