إبداع

فلويد: حرموني من الحياة

الضابط يقهقه والضحية يستغيث: لا أستطيع التنفس

حبيب درويش
Latest posts by حبيب درويش (see all)
«فلويد» شاب مثل بقية شباب الولايات المتحدة الأمريكية، شهدت حياته نجاحات وإخفاقات كأي إنسان عادي، يحبّ كرة القدم كثيرًا.
كان قد خاض تجربة السجن لسنوات عدّة لارتكابه سرقات هنا وهناك، يبحث دائمًا -كأغلبية الأمريكيين بالأحياء الشعبية لمدينة مينابوليس بولاية مينسوتا- عن تحسين وضعيته المادّية في ظلّ تحدّيات اجتماعية صعبة جدًا يعيشها خاصّة -الأمريكيون السّود- ناهيك عن ظروف تفشي وباء كورونا- بأقوى دولة في العالم!- ممّا جعل معظمهم يفقد منصب عمله، فخلق تراجُع لمستوى المعيشة الذي هو في الأساس هشٌّ ومحدود، ليجد هذا الأمريكي نفسه وسط كارثة صحّية واقتصادية شهدت وفاة أكثر من مائة ألف أمريكي.
كان فلويد زبونًا معتادًا لدى محل بقالة (كاب فورد) غير البعيد عن حيّه، كثيرًا ما يصفه صاحب المحل بالطيّب والودود، لكن لسوء حظّه هذا اليوم بالذات، قد غاب هذا السّيد، تاركًا وراءه عامله المستجد، الذي ما إن دخل عليه الشاب -الأسود- يريد شراء بعض الحاجيات حتّى توجّس منه خيفة بعض الشيء، كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساء حين أخرج له من جيبه ورقة نقدية من فئة ٢٠ دولار، أعطاها إيّاه مغادرًا المكان لكن العامل المناوب ارتابه الشّك في صحّة الورقة فنادى عليه طالبًا منه العودة، لكن دون جدوى، فما كان منه إلّا أن هاتف الشرطة طالبًا حضورهم الفوري بعد أن شرح لهم الوضع، وما هي إلّا بضعة دقائق حتى حضرت الدورية.

فلويد يطلب النجاة من الموت

 الشاب صاحب ورقة 20 دولارًا- المتعب نفسيًا وماديًا- كان يجلس حينها رفقة اثنين من رفاقه داخل سيارة متوقفة على جانب الطريق، ليتوجّه إليهم شرطيين اثنين بعدما أرشدهما ذلك البائع، ليقترب الشرطي الأوّل من الباب الأمامي جهة السائق -بعدما سحب سلاحه – أين كان يجلس ذلك المبحوث عنه، طالبًا منه رفع كلتا يديه عاليًا، بينما توجّه الثّاني للجّهة المقابلة، حيث يجلس المرافقين اللذين أُخرجا فورًا ثم أُبعدا عن السيارة لحين إتمام إجراءات توقيف صاحبهما المتّهم، الذي امتثل للأوامر دون أن يعترض، ليتمّ تقييده بعدها.
بمجرد محاولة الزّج به داخل سيارة الدورية، بدأت مقاومته تظهر وتزداد، حتى تصلّبت عروقه كلّها، منبهًا إيّاهما بصوت مخنوق مهتز، بأنّه يعاني من فوبيا الأماكن المغلقة، لكنّهما تجاهلاه تمامًا حتّى التحق بهما الضابط – تشوفين، محاولين ثلاثتهم إدخاله بالقوّة داخل السيارة لكنّهم فشلوا.
دام ذلك العراك خمس دقائق تقريبًا، طرحوه بعدها أرضًا حيث وجهه إلى الأرض ويداه مكبّلتان وراء ظهره، بدى في وضعية صحّية متأزّمة جدا،كأنّه يغرق.
بينما الشرطيان يقيّدان حركته واهتزاز أطرافه، بقي الضابط هادئًا يضغط بركبته على عنقه فيما كان المسكين منكبًا على وجهه يصرخ أكثر فأكثر، مردّدًا أكثر من مرّة..
-لا أستطيع التنفس! لا أستطيع التنفس!
انفجر الضابط ضاحكًا ليعلّق مستهزئ..
-لربّما يكون مصابًا بفيروس كورونا! لذا لا يستطيع التنفس هههه!
بقي المشهد هكذا لمدّة دقائق طويلة عسيرة ومؤلمة لم يعد بعدها الشاب يستجيب، كان قد فقد النطق تمامًا، بينما كان جلّ المارّين بالقرب من المكان يستهجنون ذلك الموقف البشع، يُصوّر بعضهم الحادثة بهاتفه، بينما يصرخ البعض الآخر في وجه رجال الشرطة..
-إنّه يموت أيّها العنصريون،اتركوه يتنفس!
كان قد رحل فعلًا، بعد أن صار جثّة هامدة، مأساة عاشها في دقائق مملّة جدًا، حُمل بعدها على نقالّة الإسعاف لأقرب مركز طبي.

مظاهرة المدينة المتألمة

نعم قد مات في خلال نصف ساعة، قُتل بعبثية شهدها الجميع بهذا اليوم، كان يستجدي الحياة، بل يستغيث لكي يظل حيًّّا، لم يكن يهمّه الوّباء القاتل بقدر ما كانت تُتعبه سماء أمريكا وسلطتها التي لم يؤمن بها يومًا، هذا النظام الديمقراطي الذي لم يشمله أبدًا كأيّ أمريكي عادي، لكن رغم ذلك بقي طوال حياته مثله مثل الأمريكيين -ذوي الأصول الإفريقية- يتشبّث بالحياة طالبًا العدل والمساواة.
لتعلن بعدها -احتجاجًا على موت فلويد- بداية مظاهرة ضمّت نحو ألفي شخص في أجواء سلمية نحو وسط المدينة المتألّمة.
بعد أيام دارت مواجهات في أكثر من عشرين مدينة ممّا دفع السلطات إلى فرض حظر التجوال في حين استدعيت قوّات الحرس الوطني للسيطرة على الوضع، ليخرج كبيرهم -في تغريدة- من مخبأه تحت أرضية البيت الأبيض يقول فيها..
«تهاني للحرس الوطني على العمل الرائع الذي قاموا به فور وصولهم إلى مينابوليس».
لتشتعل بعدها شوارع أمريكا أكثر فأكثر، البلد الأقوى في العالم والأكثر إصابة بوباء كورونا، معادلة عالمية صعبة، يتزاحم فيها المحتجّين، تهدّدهم سماء فيروسية قاتلة ونظام عنصري سام وكأنّ المعاناة والخوف من كورونا وحدها لا تكفي.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى